فصل: (ما) الحرفية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.(ما) الحرفية:

وَأَمَّا الْحَرْفِيَّةُ فَسِتَّةٌ:
الْأَوَّلُ: النَّافِيَةُ وَلَهَا صَدْرُ الْكَلَامِ وَقَدْ تَدْخُلُ عَلَى الْأَسْمَاءِ وَالْأَفْعَالِ فَفِي الأسماء كـ: (ليس) تَرْفَعُ وَتَنْصِبُ فِي لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَوَقَعَ فِي الْقُرْآنِ فِي ثَلَاثِ مَوَاضِعَ:
قَالَ تَعَالَى: {ما هذا بشرا}.
وقوله تعالى: {ما هن أمهاتهم}.
عَلَى قِرَاءَةِ كَسْرِ التَّاءِ وَقَوْلِهِ:
{فَمَا مِنْكُمْ من أحد عنه حاجزين}.
وَعَلَى الْأَفْعَالِ فَلَا تَعْمَلُ وَتَدْخُلُ عَلَى الْمَاضِي بِمَعْنَى لَمْ نَحْوُ مَا خَرَجَ أَيْ لَمْ يَخْرُجْ.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كانوا مهتدين}.
وَعَلَى الْمُضَارِعِ لِنَفْيِ الْحَالِ بِمَعْنَى لَا نَحْوَ مَا يَخْرُجُ زَيْدٌ أَيْ لَا يَخْرُجُ نَفَيْتَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ خُرُوجٌ فِي الْحَالِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّيهِ جَحْدًا وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَسَبَقَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْجَحْدِ وَالنَّفْيِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَاعِدَةِ الْمَنْفِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ هِيَ لِنَفْيِ الْحَالِ فِي اللُّغَتَيْنِ الْحِجَازِيَّةِ وَالتَّمِيمِيَّةِ نَحْوُ مَا زَيْدٌ مُنْطَلِقًا وَمُنْطَلِقٌ وَلِهَذَا جَعَلَهَا سِيبَوَيْهِ فِي النَّفْيِ جَوَابًا لِـ: (قَدْ) فِي الْإِثْبَاتِ وَلَا رَيْبَ أَنَّ قَدْ لِلتَّقْرِيبِ مِنَ الْحَالِ فَلِذَلِكَ جُعِلَ جَوَابًا لَهَا فِي النَّفْيِ.
قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ تُسْتَعْمَلَ لِلنَّفْيِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ عِنْدَ قِيَامِ الْقَرَائِنِ قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنِ الْكُفَّارِ: {وما نحن بمنشرين} {وما نحن بمبعوثين}.
وَفِي الْمَاضِي، نَحْوُ: {مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ ولا نذير}. فَإِنَّهُ وَرَدَ لِلتَّعْلِيلِ عَلَى مَعْنَى كَرَاهَةِ أَنْ يَقُولُوا عِنْدَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ مَا جَاءَنَا فِي الدُّنْيَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ وَهَذَا للماضي المحقق وأمثال ذلك كثيرة.
قَالَ: ثُمَّ إِنَّ سِيبَوَيْهِ جَعَلَ فِيهَا مَعْنَى التَّوْكِيدِ لِأَنَّهَا جَرَتْ مَوْضِعَ قَدْ فِي النَّفْيِ فَكَمَا أَنَّ قَدْ فِيهَا مَعْنَى التَّأْكِيدِ فَكَذَلِكَ مَا جُعِلَ جَوَابًا لَهَا.
وَهُنَا ضَابِطٌ وَهُوَ إِذَا مَا أَتَتْ بَعْدَهَا إِلَّا فِي الْقُرْآنِ فَهِيَ مِنْ نَفْيٍ إِلَّا فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا.
أَوَّلُهَا: فِي الْبَقَرَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {مِمَّا آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا}.
الثَّانِي: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ}.
الثَّالِثُ: فِي النِّسَاءِ قَوْلُهُ: {لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتيتموهن إلا أن يأتين}.
الرَّابِعُ: {مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا ما قد سلف}.
الْخَامِسُ: فِي الْمَائِدَةِ: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذكيتم}.
السَّادِسُ: فِي الْأَنْعَامِ: {وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ به إلا أن يشاء ربي شيئا}.
السَّابِعُ: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلا}.
الثَّامِنُ وَالتَّاسِعُ فِي هُودٍ: {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ والأرض إلا}.
فِي مَوْضِعَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: فِي ذِكْرِ أَهْلِ النَّارِ وَالثَّانِي: فِي ذِكْرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
الْعَاشِرُ وَالْحَادِيَ عَشَرَ: فِي يُوسُفَ: {فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سنبله إلا قليلا}.
وفيها: {ما قدمتم لهن إلا} الثَّانِيَ عَشَرَ: فِي الْكَهْفِ: {وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا الله}. عَلَى خِلَافٍ فِيهَا.
الثَّالِثَ عَشَرَ: {وَمَا بَيْنَهُمَا إلا بالحق}. حَيْثُ كَانَ.
وَالثَّانِي: الْمَصْدَرِيَّةُ، وَهِيَ قِسْمَانِ وَقْتِيَّةٌ وَغَيْرُ وَقْتِيَّةٍ.
فَالْوَقْتِيَّةُ هِيَ الَّتِي تُقَدَّرُ بِمَصْدَرٍ نائب عن الظرف الزَّمَانِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السماوات والأرض}. وقوله: {إلا ما دمت عليه قائما} و: {ما دمتم حرما}، أي مدة دوام السموات وَالْأَرْضِ وَوَقْتَ دَوَامِ قِيَامِكُمْ وَإِحْرَامِكُمْ وَتُسَمَّى ظَرْفِيَّةً أَيْضًا.
وَغَيْرُ الْوَقْتِيَّةِ هِيَ الَّتِي تُقَدَّرُ مَعَ الْفِعْلِ نَحْوُ بَلَغَنِي مَا صَنَعْتَ أَيْ صُنْعُكَ قال تعالى: {وبما كانوا يكذبون} أَيْ بِتَكْذِيبِهِمْ أَوْ بِكَذِبِهِمْ عَلَى الْقُرْآنِ.
وقوله: {ضاقت عليهم الأرض بما رحبت}.
وقوله: {كما آمن الناس}.
و: {كما أرسلنا فيكم رسولا}.
و: {بئسما اشتروا}.
أَيْ كَإِيمَانِ النَّاسِ وَكَإِرْسَالِ الرُّسُلِ وَبِئْسَ اشْتِرَاؤُهُمْ.
وَكُلَّمَا أَتَتْ بَعْدَ كَافِ التَّشْبِيهِ أَوْ بِئْسَ فَهِيَ مَصْدَرِيَّةٌ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ وَصَاحِبُ الْكِتَابِ يَجْعَلُهَا حَرْفًا وَالْأَخْفَشُ يَجْعَلُهَا اسْمًا وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ لَا يَعُودُ عَلَيْهَا مِنْ صِلَتِهَا شَيْءٌ.
وَالثَّالِثُ: الْكَافَّةُ لِلْعَامِلِ عَنْ عَمَلِهِ وَهُوَ مَا يَقَعُ بَيْنَ نَاصِبٍ وَمَنْصُوبٍ أَوْ جَارٍّ وَمَجْرُورٍ أَوْ رَافِعٍ وَمَرْفُوعٍ.
فَالْأَوَّلُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الله إله واحد} {إنما يخشى الله من عباده العلماء} {إنما نملي لهم ليزدادوا إثما}.
والثاني: كقوله: ربما رجل أكرمته وقوله: {ربما يود الذين كفروا}.
وَالثَّالِثُ: كَقَوْلِكَ قَلَّمَا تَقُولِينَ وَطَالَمَا تَشْتَكِينَ.
وَالرَّابِعُ: الْمُسَلَّطَةُ وَهِيَ الَّتِي تَجْعَلُ اللَّفْظَ مُتَسَلِّطًا بِالْعَمَلِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ عَامِلًا نَحْوَ مَا في إذما وحيثما لأنهما لَا يَعْمَلَانِ بِمُجَرَّدِهِمَا فِي الشَّرْطِ وَيَعْمَلَانِ عِنْدَ دُخُولِهَا عَلَيْهِمَا.
وَالْخَامِسُ: أَنْ تَكُونَ مُغَيِّرَةً لِلْحَرْفِ عَنْ حَالِهِ كَقَوْلِهِ فِي لَوْ لَوْمَا غَيَّرَتْهَا إِلَى مَعْنَى هَلَّا قَالَ تَعَالَى: {لَوْ مَا تأتينا}.
وَالسَّادِسُ: الْمُؤَكِّدُ لِلَّفْظِ وَيُسَمِّيهِ بَعْضُهُمْ صِلَةً وَبَعْضُهُمْ زَائِدَةً وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ حَرْفٌ إِلَّا وَلَهُ مَعْنًى وَيَتَّصِلُ بِهَا الِاسْمُ وَالْفِعْلُ وَتَقَعُ أَبَدًا حَشْوًا أَوْ آخِرًا وَلَا تقع ابتداء وَإِذَا وَقَعَتْ حَشْوًا فَلَا تَقَعُ إِلَّا بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ الْمُتَلَازِمَيْنِ وَهُوَ مِمَّا يُؤَكِّدُ زِيَادَتَهَا لِإِقْحَامِهَا بين ما هو كالشيء الواحد.
نحو: {أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا}.
{أينما تكونوا يدرككم الموت}.
وَكَذَا قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}.
{أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}.
{فبما رحمة من الله لنت لهم}.
{فبما نقضهم ميثاقهم}.
{عما قليل}.
{أيما الأجلين قضيت}.
{مما خطيئاتهم}.
وَجَعَلَ مِنْهُ سِيبَوَيْهِ فِي بَابِ الْحُرُوفِ الْخَمْسَةِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حافظ} قال فَجَعَلَهَا زَائِدَةً.
وَأَجَازَ الْفَارِسِيُّ زِيَادَةَ اللَّامِ، وَالْمَعْنَى إِنْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَلَيْهَا حَافِظٌ.
ثُمَّ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كُلٌّ لما جميع}.
إنما هو لجميع وما لَغْوٌ.
قَالَ الصَّفَّارُ: وَالَّذِي دَعَاهُ إِلَى أَنْ يَجْعَلَهَا لَغْوًا وَلَمْ يَجْعَلْهَا مَوْصُولًا لِأَنَّ بَعْدَهَا مفرد فَيَكُونُ مِنْ بَابِ: {تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ}.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا جَعَلَهَا فِي {لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} مَوْصُولَةً لِأَنَّ بَعْدَهَا الظَّرْفَ؟
قُلْنَا: مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وُقُوعُ مَا عَلَى آحَادِ مَنْ يَعْقِلُ أَلَا تَرَى كُلَّ نَفْسٍ وَهَذَا يَمْنَعُ فِي الْآيَتَيْنِ مِنَ الصِّلَةِ انْتَهَى.
وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَجَنَّبَ عِبَارَةَ اللَّغْوِ.

.(مَنْ):

لَا تَكُونُ إِلَّا اسْمًا لِوُقُوعِهَا فَاعِلَةً وَمَفْعُولَةً وَمُبْتَدَأَةً وَلَهَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا الْمَوْصُولَةُ وَالِاسْتِفْهَامِيَّةُ وَالشَّرْطِيَّةُ وَالنَّكِرَةُ الْمَوْصُوفَةُ.
فَالْمَوْصُولَةُ كَقَوْلِهِ تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يستكبرون} {ولله يسجد من في السماوات والأرض}.
وَالِاسْتِفْهَامِيَّةُ وَهِيَ الَّتِي أُشْرِبَتْ مَعْنَى النَّفْيِ وَمِنْهُ: {ومن يغفر الذنوب إلا الله}.
وَ: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضالون}.
وَلَا يَتَقَيَّدُ جَوَازُ ذَلِكَ بِأَنْ يَتَقَدَّمَهَا الْوَاوُ خِلَافًا لِابْنِ مَالِكٍ فِي التَّسْهِيلِ بِدَلِيلِ: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}.
وَالشَّرْطِيَّةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ} وَ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}.
وَالنَّكِرَةُ الْمَوْصُوفَةُ كَقَوْلِهِ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ} أَيْ فَرِيقٌ يَقُولُ.
وَقِيلَ: مَوْصُولَةٌ وَضَعَّفَهُ أَبُو الْبَقَاءِ بِأَنَّ الَّذِي يَتَنَاوَلُ أَقْوَامًا بِأَعْيَانِهِمْ وَالْمَعْنَى هَاهُنَا عَلَى الْإِيهَامِ.
وَتَوَسَّطَ الزَّمَخْشَرِيُّ فَقَالَ: إِنْ كَانَتْ (أَلْ) لِلْجِنْسِ فَنَكِرَةٌ أَوْ لِلْعَهْدِ فَمَوْصُولَةٌ وَكَأَنَّهُ قَصَدَ مُنَاسَبَةَ الْجِنْسِ لِلْجِنْسِ وَالْعَهْدِ لِلْعَهْدِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ وَمَنْ مَوْصُولَةٌ وَلِلْعَهْدِ وَمَنْ نَكِرَةٌ.
ثُمَّ الْمَوْصُولَةُ قَدْ تُوصَفُ بِالْمُفْرَدِ وَبِالْجُمْلَةِ وَفِي التَّنْزِيلِ: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فان}.
فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ أَيْ كُلُّ شَخْصٍ مُسْتَقِرٍّ عَلَيْهَا.
قَالُوا: وَأَصْلُهَا أَنْ تَكُونَ لِمَنْ يَعْقِلُ وَإِنِ اسْتُعْمِلَتْ فِي غَيْرِهِ فَعَلَى الْمَجَازِ.
هَذِهِ عِبَارَةُ الْقُدَمَاءِ وَعَدَلَ جَمَاعَةٌ إِلَى قَوْلِهِمْ مَنْ يَعْلَمُ لِإِطْلَاقِهَا عَلَى الْبَارِي كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ الله}.
وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُوصَفُ بِالْعِلْمِ لَا بِالْعَقْلِ لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ.
وَضَيَّقَ سِيبَوَيْهِ الْعِبَارَةَ فَقَالَ هِيَ لِلْأَنَاسِيِّ.
فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهَا تَكُونُ لِلْمِلْكِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ من في السماوات}.
فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظٍ يَعُمُّ الْجَمِيعَ بِأَنْ يَقُولَ لِأُولِي الْعِلْمِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا يَقِلُّ فِيهَا فَاقْتُصِرَ عَلَى الْأَنَاسِيِّ لِلْغَلَبَةِ.
وَإِذَا أُطْلِقَتْ عَلَى مَا لَا يَعْقِلُ فَإِمَّا لِأَنَّهُ عُومِلَ مُعَامَلَةَ مَنْ يَعْقِلُ وَإِمَّا لِاخْتِلَاطِهِ بِهِ.
فَمِنَ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يخلق}، وَالَّذِي لَا يَخْلُقُ الْمُرَادُ بِهِ الْأَصْنَامُ لِأَنَّ الْخِطَابَ مَعَ الْعَرَبِ لَكِنَّهُ لَمَّا عُومِلَتْ بِالْعِبَادَةِ عبر عنها بـ: (من) بِالنِّسْبَةِ إِلَى اعْتِقَادِ الْمُخَاطَبِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ المراد بـ: (من) لَا يَخْلُقُ الْعُمُومَ الشَّامِلَ لِكُلِّ مَا عُبِدَ من دون اللَّهِ مِنَ الْعَاقِلِينَ وَغَيْرِهِمْ فَيَكُونُ مَجِيءُ مَنْ هُنَا لِلتَّغْلِيبِ الَّذِي اقْتَضَاهُ الِاخْتِلَاطُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ من يمشي على بطنه} الْآيَةَ فَعَبَّرَ بِهَا عَمَّنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَهُمُ الْحَيَّاتُ وَعَمَّنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ وَهُمُ البهائم لاختلاطهم مَعَ مَنْ يَعْقِلُ فِي صَدْرِ الْآيَةِ لِأَنَّ عُمُومَ الْآيَةِ يَشْمَلُ الْعُقَلَاءَ وَغَيْرَهُمْ فَغَلَبَ عَلَى الجميع حكم العاقل.